سورة الأنفال - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


الغُنم والمغنم والغنيمة: ما يناله الإنسان في الحرب من أموال الأعداء. يوم الفرقان: يوم بدر.
اعملوا ايها المؤمنون ان حُكم كل ما غنمتموه من الاعداء المحاربين ان يُقسم خمسة اخماس: خمس منها لله وللرسول ولقرابته، واليتامى، وهم أطفال المسملين الذين مات آباؤهم وهم فقراء، والمساكين، وهم ذوو الحاجة من المسلمين، وابن السبيل، وهم المنقطع في سفره ويُنفق من هذا المخصص لله وللرسول في المصالح العامة التي يقررها الرسول في حياته، ويقرّرها الإمامُ بعد وفاته، وباقي الخمس يصرف للمذكورين آنفا. واما الاخماس الاربعة الباقية من الغنيمة، فهي للمقاتلين.
وقرابة النبي عليه الصلاة والسلام هم بنو هاشم وبنو المطّلب، دون بني عبد شمس ونوفل.
روى البخاري عن مطعم بن جبير (من بني نوفل) قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان (من بين عبد شمس) إلى الرسول فقلنا: يا رسول الله، أعطيتَ بني المطّلب وتركتَنا، ونحن وهم بمنزلة واحدة، فقال الرسول الكريم: «إنما بنو المطّلب وبنو هاشم واحِد».
والسر في هذا ان قريشاً لما حصَرت بني هاشم في الشِعب وقاطعتهم دخَلَ معهم فيه بنو المطلب، ولم يدخل بنو عبد شمس ولا بنو نوفل.
والحكمة في تقسيم الخُمس على هذا النحو، أن الدولة التي تدير سياسة الأمة لا بدَّ لها من المال لتستعين به على القيام بالمصالح العامة، كشعائر الدين والدفاع عن الأمة، وهو ما جُعل لِلّه في هذه الآية، ثم ان هناك نفقة رئيس حكومتها وهو سهمُ الرسول فيها، ثم لِذوي القربى وذوي الحاجات من ضعفاء الأمة.
ولا يزال هذا الاعتبار معمولاً به في كثير من الدول مع اختلاف شئون المجتمع والمصالح العامة، فالمالُ الذي رُصد للمصالح العامة يدخل في موازنة الوزارات المختلفة ما بين مصروفات علنية وسرّية، ولا سيما الامور الحربية. وكذلك راتبُ رأس الدولة من ملكٍ أو رئيس جمهورية، منه ما هو خاصٌ بشخصه، ومنه ما هو لأُسرته وعياله. ومن موازنة الدولة ما يُبذل لإعانة، الجمعيات الخيرية والعِلمية غيرها.
وعند الشيعة تفسيرٌ للغنيمة أعمُّ مما عند السنّة، كما أنهم اختلفوا عنهم في تقسيم الخمس، فقالوا: يُقسم الخُمس إلى قسمين: الاول منها ثلاثة اسهم: سهمٌ لله، وسهم لرسوله، وسهم لذوي قرباه. وما كان لله فهو للرسول، وما كان للرسول فهو لقرابته، ووليُّ القرابة بعد النبي هو الإمام المعصوم القائم مقام النبي، فان وُجد أعطي له، وإلا وجَب إنفاقه في المصالح الدينية، وأهمُّها الدعوةُ إلى الإسلام، والعملُ على نشره وإعزازه.
أما القسم الثاني فهو ثلاثة أسهم: سهم لأيتام آل محمد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء السبيل خاصة، لا يشاركهم فيه أحد لأن الله حرّم عليهم الصَدقات فعوّضهم عنها بالخمس.
فاعلموا ذلك أيها المسلمون، واعملوا به كنتم آمنتم بالله حقا، وآمنتم بما أَنزلْنا على عبدنا محمد يوم الفرقان من آيات التثبيت والمدد، وهو اليوم الذي التقى فيه جمعكم وجمع الكافرين ببدر.
{والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ومن عظيم قدرته ان نصَركم على قلتكم وضعفكم، وخذل الكافرين مع كثرتهم.


العدوة: جانب الوادي ويجوز في العين الفتح والضم والكسر. القُصْوى: مؤنث الأقصى ومعناها البعيدة. البينة: الحجة الظاهرة. ذات الصدور: ما يدور في النفس من افكار.
اذكروا حين كنتم في موقعة بدر بالجانب الأقرب إلى المدينة، وكفار قريش في أبعدِ الجانبين، والقافلةُ التي خرجتم تطلبونها أقربُ إليكم مما يلي البحر، ولو تواعدتُم على التلاقي للقتال لما اتّفقتم عليه، ولكن الله دبَّر تلاقيكم على غير موعد، لينفِّذ أمراً كان ثابتاً في علمه انه واقع لا محالة، وهو القتال المؤدي إلى نصركم وهزيمتهم.
{لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ} ليهلك الهالكون من كفار قريش عن حجَّة ظاهرة، وهي هزيمة الكثرة الكافرة ويحيا المؤمنون من حجّة بينة، وهي نصر الله للقلة المؤمنة، إن الله لَسميع عليم لا يخفى عليه شيء من أقوال الفريقين ولا نيّاتهم.
قراءات:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {بالعِدوَة} بكسر العين والباقون بالضم.
اذكر أيها الرسول حين تفضّل الله عليك، فأراك في منامك جيشَ الأعداء في قلة. كان ذلك ليُظمئنكم أنكم ستغلبونهم، فتثبتوا أمام جمعهم حين يلتقون، ولو ترككم تروْنهم كثيراً، دون ان يثبتكم بهذه الرؤيا- لخِفتم منهم ولتردَّدتم في قتالهم. ولكن الله سلَّم أصحابك يا محمد من ذلك ونجّاهم من عواقبه، إنه عليم بما تخفيه الصدور من شعور الجبن والجزع الذي تضيق به فيُحجم اصحابها عن القتال.
اذكر ايها الرسول أيضا كيف كان الله يريكم أعداءكم قلّة عند التلاقي ليشد من عزمكم، وتقاتلوهم بجرأة وثبات، كما يُظهركم في اعينهم قلّة، زيادةً في الغرور بكثرتهم حتى قال أبو جهل: غنما أصحاب محمد أكلة جزور، يعني يكفيهم جزور واحد لقلّتهم. وذلك ليتم أمرٌ علمه الله، وكان لا بد ان يتم. والى الله ترجع الامور كلها فلا ينفُذُ الا ما قضاه وهيّأ أسباب بعدْله وحكمته.


تفشلوا: تجبنوا وتضعفوا. تذهب ريحكم: تذهب قوتكم وهيبتكم. البطر: إظهار الفخر، والطغيان في النعمة. رياء: نكَص: جرع، تولى إلى الوراء. الذين في قلوبهم مرض: ضعاف الإيمان.
هذا هو النداء السادس: يؤكد ما تضمّنته النداءات السابقة من مبادئ وأُسسٍ ضرورية للحصول على النصر، وفيه يأمر الله المؤمنين بالتزام الفضائل والاخلاق التي لا بد من التحلي بها ساعةَ اللقاء في الحرب.
وأوّلها الثباتُ أمام الأعداء، ثم ذِكر الله بالقلب واللسان، واستحضارُ ثم طاعةُ الله والرسول، فكلّ مخالفةٍ تؤخر النصر، وفتتح ثغرة للعدوّ. ثم يؤكد ذلك كله بتحذير يسد به نافذةً خطِرة يهبُّ منها والفساد، هي نافذة التنازع والاختلاف فيما بينهم، مما يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة هذه قاعدة مطّردة من قواعد الاجتماع، وسنّة ثابتة من سنن الله. وهذا ما هو حاصل في مجتمعنا العربي، وهو داؤنا الّذي يفتّت قوانا ويجعل العدو يعيش ويتوسّع.
يا أيها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً من أعدائكم فاثبُتوا، وأكثِروا من ذِكر الله مستحضِرين عظمته وحسن وعده بنصركم. إن الثباتَ وذِكر الله هما وسيلتان من وسائل الفوز والنصر.
وأطيعوا الله ورسوله فيما أُمرتم به أو نُهيتم عنه، وتجنّبوا النتنازعَ والاختلاف فيما بينكم، فإن ذلك من اكبر اسباب الفشل والخيبة. واصبِروا على الشدائد وما تلقَون من مكارِه الحرب من بأس العدوّ واستعداده وكثرة عدده، فإن الله مع الصابرين يمدُّهم بالعَون والتأييد... ومَن كان الله معه غالب له.
{وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ الناس} ولا تكونوا كأعدائكم المشرِكين الذين خرجوا من ديارهم في مكة مغرورين بَطِرين، متظاهرين أمام الناس رياءً يريدون الثناء عليهم بالشجاعة.
{وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} والله عليم بما جاءوا من أجله، عالِم بأعمالهم، وسوف يجازيهم عليها في الدنيا والآخرة.
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} اذكر أيّها الرسول للمؤمنين كيف زيّن الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوستِه، قائلا لهم إنه لا أحدّ من الناس يغلبهُم، لأنه هو مجيرٌ لهم، فلما تقابلَ الفريقان في الحرب نكص على عقِبيه وهرب وتبرّأ منهم. لقد خاف أن يُهلكه الله، واللهُ شديد العقاب على الذنوب.
{إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ} اذكر يا محمد ماذا كان يقول المنافقون من الكفّار، وضعفاء الإيمان عند رؤيتكم في إقدامكم وثباتكم: لقد غرَّ هؤلاء المسلمين دينهم.
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَإِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ومن يكِل أمهر إلى الله ويؤمن إيماناً خالصاً فان الله يكفيه ما أهمَّه، ويصره على أعدائه، فهو العزيز الغالب، والحكيم الذي يضع كل امر في موضعه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6